المنافق أشد عداوة من الكافر، والخائن أكثر ندالة من العدو

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
في مسار التاريخ الإنساني، لم يكن الخطر دائماً قادماً من الخارج، بل كثيراً ما ولد من الداخل، من رحم الأقربين لا من أيدي الغرباء، فالعدو الظاهر، مهما بلغت قوته وبطشه، يبقى محدداً ومعروف الهوية، يمكن الاستعداد له ورسم خطط لمواجهته، أما المنافق والخائن، فهما يتسللان إلى الجسد الواحد بوجه المودّة ولسان الولاء، لكن بقلوب مريضة لا تحمل سوى الغدر.
المنافق أشد عداوة من الكافر، لأنه يتقن التخفي ويزرع الشكوك في النفوس، يظهر الإخلاص ويبطن العداوة، يتكلم لغة الجماعة لكنه يضمر خيانةً خفية، لذلك يكون خطره مضاعفاً: يضرب الثقة التي هي أساس تماسك المجتمع، ويفتح منافذ للعدو الخارجي كي ينفذ منها، فالتاريخ الإسلامي والإنساني زاخر بأمثلة جسدت هذه الحقيقة؛ فكم من حضارات لم تنهزم بجيش خارجي، بل سقطت بسبب نفاق الداخل وتآمر من كانوا محسوبين عليها.
أما الخائن، فهو الوجه الأكثر ندالة من العدو نفسه، فالعدو حين يهاجم، يفعل ذلك بمنطق الصراع الواضح، لكن الخائن يبيع ضميره، ويتنازل عن قيمه، ويقايض شرفه بمصالح شخصية أو فتات دنيا زائلة.
فالخيانة جريمة مزدوجة: طعنة في الظهر للأمة التي احتضنته، وهدية مجانية للخصم الذي لم يكن يحلم بمثلها، لذلك ينظر التاريخ إلى الخونة باعتبارهم أبد الدهر بلا شرف، تتوارث الأجيال أسماؤهم على أنها عار لا يمحى.
من زاوية واقعية، يظهر الفرق بين العدو والخائن في الأثر النفسي والاجتماعي، فالعدو يوحّد الصفوف، لأن مواجهته تستدعي التماسك والاصطفاف، أما الخيانة، فتزرع الانقسام وتضرب أساس الثقة بين مكونات المجتمع. وحين تنهار الثقة، يسهل تفكيك الشعوب وتطويعها دون طلقة رصاص.
إن ما يحتاجه مجتمعنا اليوم، ليس فقط تحصين الحدود من الأعداء، بل أيضاً تحصين عقول أبنائها من النفاق، وحماية ذمم مسؤوليها من الخيانة، فالخطر الحقيقي ليس في وجود عدو خارجي، بل في تسلل منافق أو خائن إلى الداخل، لأنه قادر على تحويل النصر إلى هزيمة، والقوة إلى وهن.
ما يمكن استنتاجه من هذا المقال ، أنه يظل المنافق والخائن وجهين لعملة واحدة: عملة الغدر، وإذا كان التاريخ قد سجل أسماء الأعداء في صفحات المواجهة، فإنه سجل أسماء المنافقين والخونة في صفحات العار، لأن جرح الغدر لا يندمل، وصوت الخيانة لا ينسى.