الإجماع الدولي بالاعتراف بدولة فلسطين: صحوة الضمير الإنساني ونهاية أسطورة “الشعب المختار”

ذا عمرو العرباوي / مدير النشر
الإجماع الدولي بالاعتراف بدولة فلسطين: صحوة الضمير الإنساني ونهاية أسطورة “ الشعب المختار ”
يشهد العالم اليوم تحولًا نوعيًا في الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية، يتمثل في اتساع رقعة الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين ككيان مستقل وعضو شرعي في المجتمع الدولي، هذا التحول لا يمكن قراءته فقط باعتباره موقفًا سياسيًا أو خطوة دبلوماسية، بل هو في جوهره انعكاس لصحوة الضمير الإنساني الذي ظل غائبًا لعقود أمام معاناة شعب حُرم من أبسط حقوقه في الحرية والكرامة وتقرير المصير.
لقد طال انتظار الفلسطينيين لهذا الاعتراف، بعدما ظلوا رهائن لسياسات الكيل بمكيالين، حيث كان الاحتلال الإسرائيلي يتذرع بأسطورة “الشعب المختار” لتبرير سياسات الاستيطان، والتهجير، والتطهير العرقي، وفرض واقع القوة على الأرض، غير أن المشهد الدولي اليوم يُظهر أن هذه الرواية لم تعد مقنعة أمام المجتمع الدولي، وأن الأكاذيب المؤسسة لها بدأت تتهاوى تحت ضغط الحقائق الميدانية التي تكشف حجم الانتهاكات اليومية التي ترتكبها إسرائيل في حق المدنيين العزل.
هذا الإجماع الدولي يمثل في جوهره تصحيحًا لمسار تاريخي طويل من الظلم، وقطعًا مع وعد بلفور وما ترتب عنه من مآسٍ سياسية وإنسانية، فالعالم بات أكثر وعيًا بأن السلام العادل لا يمكن أن يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وضمان عودة اللاجئين، ووضع حد لسياسات الاحتلال، وهو أيضًا رسالة واضحة إلى إسرائيل بأن الاستقواء بالدعم الغربي لم يعد يوفر الغطاء الكافي لممارساتها، وأنها أمام مرحلة جديدة عنوانها المساءلة والعزلة إن استمرت في تحدي الإرادة الدولية.
انعكاسات التحول الدولي على مسار الصراع
يُنتظر أن يترتب عن هذا الإجماع الدولي ضغوط متزايدة على إسرائيل لإعادة النظر في سياساتها التوسعية، فكلما اتسعت دائرة الاعتراف بفلسطين، كلما ازدادت عزلة إسرائيل سياسيًا ودبلوماسيًا، خصوصًا داخل المحافل الدولية كالأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية. كما أن الاعتراف يمنح الفلسطينيين قوة تفاوضية أكبر، إذ لم يعودوا مجرد “طرف ضعيف” يطالب بحقوقه، بل كيانًا معترفًا به يمتلك الشرعية الدولية.
من جهة أخرى، يمكن أن يفتح هذا التحول أفقًا جديدًا للمفاوضات، لكن هذه المرة من موقع متوازن، حيث لن يكون الفلسطينيون مجرد “ملف إنساني” بل طرفًا سياسيًا كامل الحقوق. ومع ذلك، فإن إسرائيل التي دأبت على وضع العراقيل أمام أي تسوية عادلة قد تلجأ إلى تصعيد سياساتها الميدانية، سواء عبر الاستيطان أو عبر التشدد الأمني، في محاولة لإفراغ هذا الاعتراف من مضمونه.
دور المغرب في دعم القضية الفلسطينية
بالنسبة للمغرب، الذي يضع القضية الفلسطينية في قلب أولوياته الدبلوماسية والسياسية، فإن هذا التحول الدولي يعزز الدور التاريخي للمملكة باعتبارها رئيسة لجنة القدس، ويؤكد صواب المواقف الثابتة التي عبر عنها جلالة الملك محمد السادس في مختلف المحافل الدولية، فالمغرب كان دائمًا يعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية شرط أساسي لتحقيق السلم والاستقرار في المنطقة.
ويعكس التفاعل المغربي مع هذا الإجماع الدولي انسجامًا مع وجدان الشعب المغربي الذي ظل يرى في فلسطين قضية وطنية ثانية، تتجسد في مظاهرات الشارع، والمبادرات التضامنية، والرسائل السياسية التي تؤكد التلاحم العميق بين الشعبين، وهو ما يعطي للاعتراف الدولي بعدًا معنويًا أكبر بالنسبة للمغاربة، إذ يرونه خطوة أولى نحو إنهاء مأساة طال أمدها، وتكريس العدالة التاريخية التي ينشدها كل أحرار العالم.
مخرجات هذا المقال ،إن الإجماع الدولي بالاعتراف بدولة فلسطين ليس مجرد انتصار دبلوماسي، بل هو صحوة ضمير عالمي، وإعلان غير مباشر لنهاية أسطورة “الشعب المختار” التي لطالما استُعملت غطاءً للتوسع والهيمنة، وهو في الوقت ذاته فرصة لتعزيز مكانة المغرب كفاعل محوري في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وتأكيد أن التضحيات لم تذهب سدى، وأن الحق التاريخي لا يمكن أن يُطمس مهما طال الزمن.