اخبار منوعة

التجهيل أكبر خطر يهدد بلوغ الإنسان: بين واقع مؤلم وحلول ممكنة

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
في عالم يُبنى على المعرفة ويتحرك بإيقاع العلم والتكنولوجيا، يبرز التجهيل كأخطر الأوبئة التي تهدد الإنسان في وجوده ، ووعيه، وقدرته على التقدم والاختيار، فالتجهيل على خلاف الجهل الطبيعي الناتج عن غياب المعرفة هو فعل متعمد، يهدف إلى إبقاء الإنسان في حالة من الغيبوبة الذهنية، والتبعية المطلقة، والعجز التام عن التفكير أو الفعل او انتاج الأفكار و بالنتيجة بلوغ سبيل المعرفة .
واقع التجهيل: حين يصبح الإنسان آلة ، نعيش اليوم مفارقة صادمة ، ففي الوقت الذي أصبحت فيه المعلومة متاحة بلمسة إصبع، تنمو بين الشعوب – لا سيما في العالم العربي – ظواهر التسطح، والإشاعة، والتصديق الأعمى، والتبعية لخطابات غوغائية أو دينية متطرفة، ذلك لأن التجهيل لا يقف عند غياب المدرسة أو ضعف التعليم، بل يمتد إلى كل ما يساهم في قتل الوعي: من إعلام هابط، إلى ثقافة استهلاكية، إلى تغييب الحوار، وقمع السؤال، وتشويه الفكر.
ويكمن الخطر في أن التجهيل يجعل الإنسان يعيش في وهم الفهم، ويعتقد أنه يعرف، بينما هو مجرد مُتلَقٍّ لأفكار جاهزة، يُعاد إنتاجها عبر منظومات سياسية، أو اقتصادية، أو حتى دينية، هدفها الحفاظ على الوضع القائم، وكبح أي محاولة للنهضة أو التغيير.
التجهيل: عائق أمام بلوغ الإنسان ، بلوغ الإنسان لا يعني فقط تحقيق النجاح المادي، بل يتجلى في تحرره العقلي، ونضجه الوجداني، وقدرته على التفكير الحر والمسؤول، لكن التجهيل للأسف يعطل كل ذلك:
-يعطل الضمير الفردي ويجعل الإنسان تابعًا لمنظومة لا يفكر في مشروعيتها.
-يقتل روح المبادرة، لأن الجاهل المُجهَّل لا يرى في نفسه القدرة على التغيير.
-يكرس الخوف والطاعة، فيصبح المواطن مجرد رقم في منظومة لا رأي له فيها.
-يفقد الإنسان إنسانيته، حين يتحول إلى آلة تستهلك ولا تنتج وتكرر ولا تفكر وتتلقى ولا تنتقد .
من المسؤول عن هذا المرض؟
التجهيل ليس خطأ فرديًا، بل مسؤولية جماعية تشترك فيها:
-الأنظمة السياسية التي ترى في التجهيل وسيلة للضبط والسيطرة.
-المؤسسات التعليمية التي تكتفي بتلقين المحتوى دون تنمية التفكير.
-وسائل الإعلام التي تروج للتفاهة بدل التنوير.
-المسؤولين عن الشأن الديني الذين يعيدون إنتاج خطاب يُقدّس الطاعة ويُجرّم السؤال.
-النخب المثقفة التي تخلت عن دورها التنويري واكتفت بالتنظير النخبوي أو الصمت.
ما الحل إذا ؟
إن مواجهة التجهيل ليست عملية سهلة، لكنها ممكنة ومصيرية، وتحتاج إلى إرادة صادقة ورؤية بعيدة المدى:
1-ثورة في التعليم: بناء منظومة تعلم تُعلّم الإنسان كيف يفكر لا ماذا يفكر.
2-إعلام تنويري وهادف: يُخاطب العقل، لا الغرائز، ويستعيد دوره في التوعية.
3-تمكين المجتمع المدني: ليكون رافعة للوعي والمواطنة والنقد البناء.
4-تشجيع الفلسفة والفكر الحر: في المدارس والجامعات والفضاء العام.
5-الاستثمار في الثقافة: ودعم الفنون والكتاب والإبداع الحر والمستقل.
6-استعادة دور النخب الحقيقية: لتكون في قلب معركة الوعي بدل هامشها.
مخرحات هذا المقال،لا يمكن لأي شعب أن ينهض وهو محكوم بثقافة التجهيل، ولا يمكن للإنسان أن يبلغ ذاته وهو مسجون في زنزانة الجهل الممنهج ، فالتحرر من التجهيل هو الشرط الأول لبلوغ الكرامة، والوعي، والحرية، وقد تكون الخطوة الأولى نحو هذا التحرر، هي الاعتراف أن التجهيل ليس قدراً، بل هو خيار مفروض، يمكن مقاومته، شرط أن نمتلك الشجاعة للفكر اي نتحرر من الخوف من التفكير ، ومن طاعة المعلومة الجاهزة ، وان نطرح الاسئلة حتى ولو بدت محرجة او مزعجة ولا نستسلم للعادات والأعراف والقناعات السائدة التي تتجاوز حدود العقل والمنطق والقيم والأخلاق والسلوك الانساني الإيجابي ، والإرادة للفعل اي لا نتوقف عند حدود التفكير والتأمل ، بل نحول وعينا إلى خطوات واقعية ، وسلوك يومي ، ومواقف حقيقية ، ان نرفض الصمت أمام التزييف ، وان ندافع عن الحق في التعليم و المعرفة ، ان نحمي أبنائنا من الجهل ، وان نشارك في بناء إعلام وتربية وثقافة تقطع مع التجهيل .
فبناء أمة واحدة موحدة صامدة وقوية وأمنة لاسبيل لها من بلوغ التنمية الشاملة إلا بمحاربة آفة التجهيل والقضاء على شيوعه في المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى