إحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي بالمغرب يتطلب من الاحزاب السياسية اعادة النظر في أدوارها واستراتيجيتها إذا ارادت استعادة ثقة المواطنين
عمرو العرباوي : مدير النشر
إعادة النظر في أدوار واستراتيجيات الأحزاب السياسية المغربية باتت ضرورة ملحة لاستعادة ثقة المواطنين وإحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي، هذا التحدي يتطلب فهمًا دقيقًا للواقع السياسي والاجتماعي الحالي، وما يمكن أن تفعله الأحزاب لتصحيح مسارها.
سأعمل على توضح هذه المعضلة بشكل مفصل من خلال تحليل الأسباب والآليات المحتملة للإصلاح :
– فقدان الثقة الشعبية في الأحزاب السياسية
أحد أكبر التحديات التي تواجه الأحزاب السياسية في المغرب هو فقدان الثقة الشعبية، فكثير من المواطنين يشعرون بأن الأحزاب لا تمثلهم أو لا تستجيب لتطلعاتهم، هذا الفقدان للثقة ينبع من:
– الوعود غير المحققة: الأحزاب غالبًا ما تعد بتحسين ظروف المعيشة، القضاء على الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، لكنها تفشل في تنفيذ هذه الوعود بمجرد وصولها إلى السلطة.
– الابتعاد عن القواعد الشعبية: بعض الأحزاب لا تتفاعل بشكل كافٍ مع المواطنين على مستوى القواعد، بل تركز على النخب السياسية وتتنافس على المناصب بدلًا من تقديم حلول عملية للمشاكل اليومية.
– ضعف الأيديولوجيات والبرامج السياسية
العديد من الأحزاب المغربية تعاني من نقص في الوضوح الأيديولوجي وضعف البرامج السياسية، بعض الأحزاب تفتقر إلى رؤية واضحة حول كيفية التعامل مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية الكبرى، مما يجعلها غير قادرة على إقناع المواطنين بأنها تمتلك الحلول.
– عدم وضوح البرامج: على الرغم من أن بعض الأحزاب تصدر برامج انتخابية، إلا أن هذه البرامج غالبًا ما تكون عامة وغير واقعية، كثيرًا ما يتم تجاهل القضايا الملحة مثل البطالة، الفقر، وتفاوت الفرص،ضعف القدرة الشرائية إلى غيرها من الأمور التي تصب في توسيع نطاق الهشاشة النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
– الافتقار إلى الأيديولوجية: بدلاً من وجود أيديولوجيات قوية توجه سياساتها، تعتمد العديد من الأحزاب على الزعامات الفردية، مما يجعلها غير متماسكة في مواجهتها للتحديات السياسية والاجتماعية.
-التبعية لنظام المصالح الخاص او يسمى “الريع السياسي :
الأحزاب المغربية تعمل في سياق سياسي يتميز بسيطرة المصلحة الخاصة على العديد من الجوانب الحاسمة في صنع القرار، وهذا الأمر يحد من استقلالية الأحزاب وقدرتها على تقديم برامج جريئة أو تحقيق تغييرات هيكلية.
– التنافس غير المثمر بين الأحزاب
التنافس السياسي بين الأحزاب في المغرب يتمحور في كثير من الأحيان حول التنافس على المناصب والسلطة، بدلاً من التنافس على الأفكار والسياسات. هذا التنافس يؤدي إلى:
– تشرذم المشهد السياسي: العديد من الأحزاب الصغيرة تفتقر إلى القوة والتأثير، ما يضعف من التماسك السياسي ويجعل من الصعب تشكيل حكومات فعالة.
– التحالفات الضعيفة: في ظل النظام السياسي المغربي، الأحزاب مضطرة غالبًا لتشكيل تحالفات هشة للوصول إلى السلطة، ما يؤدي إلى حكومات غير مستقرة وغير فعالة.
– ضعف الديمقراطية الداخلية في الأحزاب
الديمقراطية الداخلية للأحزاب المغربية تعتبر ضعيفة، غالبًا ما تكون الأحزاب مسيرة من قبل زعامات فردية أو مجموعات صغيرة، مما يؤدي إلى:
– عدم التجديد القيادي: العديد من الأحزاب تعتمد على نفس الوجوه والزعامات لفترات طويلة، ما يؤدي إلى جمود سياسي وعدم القدرة على جذب الشباب والكفاءات الجديدة.
– الانقسامات الداخلية: ضعف الديمقراطية الداخلية يؤدي أيضًا إلى الانقسامات والصراعات داخل الأحزاب، ما يجعلها أقل قدرة على مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية، مما يؤدي إلى ظهور احزاب جديدة قبل موسم الانتخابات التشريعية والمحلية والإقليمية.
– الحاجة إلى برامج إصلاحية جادة
إذا أرادت الأحزاب السياسية المغربية استعادة ثقة المواطنين، يجب عليها:
– تقديم برامج إصلاحية واضحة: على الأحزاب أن تتبنى برامج إصلاحية جادة تتناول المشاكل الهيكلية مثل البطالة، التعليم، الصحة، والعدالة الاجتماعية، هذه البرامج يجب أن تكون مدعومة بخطط واقعية وقابلة للتنفيذ.
– التركيز على القواعد الشعبية: يجب على الأحزاب أن تعود للتفاعل مع القواعد الشعبية بشكل أكثر فاعلية، وذلك من خلال فتح قنوات حوار مباشر مع المواطنين وتقديم حلول لمشاكلهم اليومية.
– تعزيز الديمقراطية الداخلية: على الأحزاب أن تعزز الديمقراطية الداخلية من خلال تجديد قياداتها بشكل دوري، وإشراك الشباب والنساء والكفاءات في عملية صنع القرار.
– الاستقلالية عن المصالح الخاصة :
على الأحزاب أن تسعى لتحقيق مزيد من الاستقلالية عن المصالح الخاصة، وذلك عبر تبني سياسات جريئة تتعلق بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، حتى لو كان ذلك يعني الاصطدام ببعض القوى المؤثرة.
– تعزيز الشفافية والمساءلة
الشفافية والمساءلة يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من ثقافة الأحزاب السياسية. يجب أن تكون الأحزاب مستعدة للتواصل مع الجمهور بصدق حول إنجازاتها وإخفاقاتها، وأن تعمل على تعزيز الشفافية في إدارة مواردها واتخاذ قراراتها.
مخرجات هذا البحث ، فإعادة النظر في أدوار واستراتيجيات الأحزاب السياسية المغربية يتطلب تغييرًا جذريًا في كيفية عملها وتفاعلها مع المواطنين، تحتاج الأحزاب إلى تطوير رؤى واضحة وقابلة للتنفيذ حول كيفية حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الكبرى، وتعزيز الديمقراطية الداخلية، والعمل على تحقيق استقلالية أكبر عن المصالح الخاصة التي فقط من خلال هذه الإصلاحات الجذرية يمكن استعادة ثقة المواطنين وإحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي.