اخبار منوعة

إستهداف الأجهزة الأمنية بالأسلحة البيضاء ألا يشكل نوعا من الاحتقان الاجتماعيّ وأزمة ثقة ضد السياسات العامة للحكومة ؟

عمرو العرباوي / مدير النشر

تشهد الساحة المغربية تصاعدًا متزايدا في حوادث استهداف عناصر الأمن من طرف بعض الأفراد باستعمال الأسلحة البيضاء، وهو ما اصبح يثير الكثير من الجدل حول الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة،فرغم أن القراءة الأمنية تُصنّف هذه الأفعال في خانة الإجرام والانحراف، لكن بالرجوع الى مقاربة أعمق ذات طابع سوسيولوجي والتي تشير إلى أن هذه الأفعال قد تعكس احتقانًا اجتماعيًا حادًا وأزمة ثقة خطيرة بين فئات من المجتمع والدولة، وخاصة مؤسساتها الأمنية.
ولتفسير هذه المقاربة ينبغي معالجتها من عدة جوانب :
أولا : من العنف الفردي إلى الرمزية الجماعية، قد تبدو هذه الأفعال في ظاهرها جرائم معزولة، يقف وراءها شباب من ذوي السوابق أو مدمني المخدرات، لكنها في عمقها تحمل رسائل رمزية خطيرة:
-الاعتداء على رجل الأمن، باعتباره ممثلًا مباشرا للدولة، قد يُفهم كرفض للسلطة وللقانون.
-تكرار الظاهرة، خصوصًا في الأحياء الهامشية أو الفقيرة، يعطيها طابعًا شبه منظم، حتى وإن لم تكن كذلك تنظيميًا.
هذا الانتقال من الفعل الفردي المعزول إلى الرمزية الجماعية، هو ما يجعل هذه الظاهرة مرآة لأزمة أكبر مما نتصور .
ثانيا : أزمة ثقة عميقة بين المواطن والدولة،
فأحد أبرز ملامح هذه الظاهرة هو انهيار الثقة بين المواطن المهمش والدولة، ويمكن تلخيص مظاهر هذه الأزمة كالتالي:
-الشعور بالتهميش والإقصاء: آلاف الشباب يعيشون في بطالة مزمنة، دون أفق واضح، وسط أحياء تغيب فيها البنية التحتية والخدمات الأساسية.
-غياب العدالة الاجتماعية: الفوارق الاجتماعية الحادة بين طبقة ميسورة تستفيد من الامتيازات، وطبقة عريضة تُركت لمصيرها، تؤدي إلى الإحساس بالحيف والظلم.
-تصور المؤسسة الأمنية كأداة قمع: عند بعض الفئات، لا يُنظر لرجل الأمن كمصدر حماية، بل كرمز للسلطة التي تمارس التمييز أو العنف الرمزي والمادي، خاصة في تعاطيها مع الفقراء.
ثالثا : حين يصبح العنف وسيلة تعبير، عندما تنسد الأبواب أمام فئة من الشباب، ويُفقد الإحساس بالانتماء، قد يتحول العنف إلى وسيلة يائسة لإثبات الذات أو للانتقام من الواقع:
-العنف هنا ليس له طابع سياسي منظم، لكنه يحمل مضمونًا احتجاجيًا غير معلن.
-هو رفض ضمني للمنظومة، لكنه غير مؤطر، وعشوائي، وغير عقلاني، بمعنى آخر، لا يُمكن اعتباره عصيانًا مدنيًا بالمفهوم الكلاسيكي ، لكنه يحمل سمات التمرد الاجتماعي غير المنظم، والمشحون بالغضب والعدمية.
رابعا: خطورة المقاربة الأمنية وحدها،فالتعاطي الأمني الصرف مع هذه الظاهرة، رغم ضرورته لضبط النظام، قد يؤدي إلى نتائج عكسية:
-تفاقم الشعور بالقمع، خاصة إذا تم ذلك في ظل غياب قنوات التواصل والحوار.
-تكريس العنف كحل في غياب بدائل اقتصادية واجتماعية.
الواقع يؤكد أن الأمن لا يمكن فصله عن العدالة الاجتماعية، ولا يمكن ضمان استقرار حقيقي دون إدماج الجميع في مشروع وطني مشترك.
خامسا :الحلول الممكنة من الأمني إلى الاجتماعي، لمعالجة جذور هذه الظاهرة، لا بد من خطة شاملة تتجاوز البعد الأمني منها :
-إصلاح التعليم والتكوين المهني لفتح آفاق أمام الشباب.
-توفير فرص الشغل في المناطق الهامشية.
-إعادة بناء جسور الثقة بين المواطن والمؤسسات، خاصة الأمن، عبر خطاب جديد وممارسات ميدانية تحترم الكرامة.
-الاعتراف بالمشكل بدل إنكاره، كخطوة أولى نحو الحل.
مخرجات هذا المقال ، ما ينبغي الاشارة اليه وهو أن استهداف الأجهزة الأمنية بالأسلحة البيضاء في المغرب ليس فقط نتيجة لانحراف سلوكي، بل قد يُقرأ كترجمة لحالة من الاحتقان الاجتماعي وأزمة ثقة خطيرة بين فئات من المواطنين والسياسات العمومية للحكومة ، فالتعامل مع هذه الظاهرة يستدعي تفكيك أسبابها العميقة، والانطلاق نحو مقاربة شاملة تمزج بين الأمن، والعدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، قبل أن يتحول الغضب الفردي إلى تمرّد جماعي يصعب احتواؤه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى