اخبار منوعة

جودة التعليم العالي والبحث العلمي بين رهان التكوين وكفاءة الأطر:

عمرو العرباوي /مدير النشر

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، أضحى التعليم العالي والبحث العلمي حجر الزاوية في بناء مجتمعات المعرفة وتعزيز التنافسية الاقتصادية والاجتماعية للدول، غير أن جودة هذا القطاع الحيوي لا تتحقق بالشعارات أو بالبنية التحتية وحدها، بل تظل رهينة بمنظومة متكاملة تقوم على تكوين وتأهيل الطلبة من جهة، وعلى كفاءة الأطر التربوية والإدارية من جهة أخرى.

التكوين الجيد… مفتاح المستقبل

إن الطالب اليوم لم يعد مجرد متلقٍ سلبي للمعرفة، بل أصبح محور العملية التعليمية برمتها، ما يفرض على الجامعات ومؤسسات التعليم العالي إعادة النظر في مناهجها وبرامجها الدراسية، التكوين الجيد لم يعد يقتصر على التلقين النظري، بل يتطلب إرساء آليات تعليمية تدمج بين المعرفة العلمية والمهارات التطبيقية، في انسجام تام مع متطلبات سوق الشغل المحلي والدولي.

وفي هذا الإطار، تبرز أهمية ملاءمة التكوين مع تطورات العصر، من خلال إدماج تكنولوجيا المعلومات، تعزيز اللغات الأجنبية، وتحفيز التفكير النقدي والابتكار لدى الطلبة، فبدون هذه المقومات، تظل الشهادات الجامعية أوراقًا لا تعكس كفاءة حقيقية ولا تؤهل حاملها للاندماج المهني الفعلي.

الأطر الجامعية… القلب النابض للمؤسسة،

بالموازاة مع تأهيل الطلبة، تُعد كفاءة الأطر الجامعية عاملًا حاسمًا في ضمان جودة التعليم العالي، فالأستاذ الجامعي ليس فقط ناقلًا للمعرفة، بل موجهًا وباحثًا وشريكًا في صياغة التكوين ومن هنا تبرز الحاجة إلى تطوير كفاءات الأساتذة بشكل مستمر، سواء عبر التكوين البيداغوجي أو البحث العلمي أو الانفتاح على التجارب الدولية.

لكن التحدي لا يقتصر على الكفاءة العلمية فقط، بل يمتد ليشمل الالتزام المهني، وامتلاك حس المسؤولية، والانخراط الفعلي في أوراش إصلاح الجامعة، بعيدًا عن مظاهر التسيب أو اللامبالاة التي قد تفرغ التعليم العالي من مضمونه الحقيقي.

بحث علمي في حاجة إلى بيئة محفزة

لا يمكن الحديث عن جودة التعليم العالي دون ربطه بإنتاج المعرفة. فالجامعات مطالبة اليوم بلعب دورها كمحرك للبحث العلمي والابتكار، وهو ما يستدعي توفير بيئة محفزة: ميزانيات كافية، شراكات فعالة مع القطاع الصناعي، وتقدير مجتمعي لمكانة الباحث.

لكن هذا الطموح يظل رهينًا بمدى قدرة المنظومة الجامعية على تكوين طلبة باحثين، وتمكينهم من الأدوات النظرية والمنهجية الكفيلة بإنتاج معرفة جديدة ذات أثر اجتماعي واقتصادي.

مخرحات هذا المقال ، إن إصلاح منظومة التعليم العالي ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية واستراتيجية، فبناء جامعة ذات جودة، قادرة على تكوين نخب وابتكار حلول، يمر حتما عبر مسارين متكاملين، تكوين وتأهيل الطالب ليكون فاعلًا في مجتمعه، وتطوير كفاءات الأطر الجامعية لتقود مسار التغيير بجدية ومسؤولية ، ويبقى السؤال المطروح: هل نحن مستعدون لتجاوز منطق “الشكلية” نحو جامعة منتجة للمعرفة، محفزة للطاقات، ومرتبطة بحاجيات المجتمع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى