اخبار منوعة

عوض محاربة الفساد ربما يتم التطبيع معه بسخاء .

عمرو العرباوي : مدير النشر
فهذه الأفة تعكس وعياً بالواقع الذي نعيشه كما العديد من المجتمعات، خاصةً تلك التي تعرف اختلالات في منظومة تدبير الشأن العام بعيدا عن الحكامة والنجاعة و الجدية ، بحيث  تتداخل المصالح، وغياب الشفافية والمحاسبة.
فتحليل هذا الواقع المرّ يقتضي معالجته خطوة بخطوة،

أولاً: مفهوم “التطبيع مع الفساد”

فعوض مواجهة الفساد ومحاولة القضاء عليه، يصبح الفساد أمراً “عادياً”، مقبولاً ضمنياً، أو حتى مبرراً، وهذا ما يُعرف بالتطبيع مع الفساد، أي أن المجتمع، سواء مؤسساته أو أفراده، يتوقف عن اعتباره سلوكاً شاذاً أو مرفوضاً مجتمعيا، بل يتعامل معه كـ “واقع لا مفر منه”.

ثانياً: تقييم هذه الظاهرة من خلال زاويتين

أولاً: التقييم من زاوية واقعية وسوسيولوجية،

1-تعبير عن فشل المنظومة، حينما يصبح الفساد “أسلوب تسيير” وليس “انحرافاً”، فهذا يدل على خلل عميق في المؤسسات السياسية والإدارية،فالدولة تفقد قدرتها على فرض القانون، ويهيمن منطق “الولاءات” و”المصالح” على منطق الكفاءة والمصلحة العامة.

2-تحوّل الفساد إلى آلية للترقي الاجتماعي ، في غياب فرص عادلة، يُنظر إلى الفساد كوسيلة لـ”التقدم” في الحياة، مما يؤدي إلى تهميش الكفاءات وتشجيع الوصولية والانتهازية.

3-فقدان الثقة الكاملة، هذا الواقع يغذي الشك واللامبالاة، المواطن لا يثق في القضاء، في الانتخابات، في الإعلام، وحتى في التعليم، لأنه يرى أن “كل شيء يباع ويُشترى”، والنتيجة هي عزوف سياسي، هجرة، تفسخ اجتماعي.

ثانياً: التقييم من زاوية قيمية وأخلاقية،

1-شرعنة الظلم، حينما نطبع مع الفساد، فنحن نقبل ضمنياً بأن يُظلم من لا “يدفع” أو لا “يعرف أحداً”، وهذا يخلق حالة عامة من الظلم المؤسسي.

2-تقويض العدالة الاجتماعية، فالفساد يُفرغ مبدأ تكافؤ الفرص من معناه، ويقتل فكرة “الاستحقاق”، ما يُنتج مجتمعاً غير عادل، محفوفاً بالإقصاء الاجتماعي والطبقية.

3-فقدان القدوة، حينما يرى الناس أن الفاسدين يُكافَؤون لا يُعاقَبون، فإن القيم تنهار. ولا يعود للنزاهة أو الصدق أو الجهد قيمة.

ثالثا : كيف يمكن كسر هذا التطبيع ؟

1-تعزيز مبدأ ربط المحاسبة بالمسؤولية بجدية لا متناهية .
2-نشر ثقافة النزاهة والشفافية في التعليم والإعلام.
3-إشراك المجتمع المدني وتمكينه من مراقبة السياسات العامة.
4-تعزيز دور السلطة القضائية لتكون في موقع مستقل وقوي لا تخضع للضغوط السياسية مهما بلغت قوتها تبعا لمبدأ المساواة والعدالة للجميع .
مخرجات هذا المقال ، فالتطبيع مع الفساد ليس مجرد “واقع مرّ”، بل هو كارثة هيكلية تضرب جوهر الدولة والمجتمع، وهو أخطر من الفساد نفسه، لأنه يجعل الفساد مستساغاً، بل ومطلوباً محتمعيا وهنا تكمن الخطورة .

وللأسف، المجتمع الذي يدخل هذا النفق يجد صعوبة في الخروج منه دون صدمات قوية (أزمات اقتصادية، ارتفاع الضغوط و الاحتجاجات الشعبية، انهيار الثقة في المؤسسات والسياسات العمومية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى