اخبار منوعة

موقع العقل العربي في منظومة الثقافة العربية الإسلامية بين النقد والاستهلاك وجدلية التوازن والتفضيل.

عمرو العرباوي / مدير النشر

موضوع عميق ومثير للجدل ، بحيث يعالج إشكالية مركزية في واقع الثقافة العربية الإسلامية عامة، والمغربية خاصة، ويتطلب تفكيك مجموعة من المفاهيم أولاً قبل تحليل أثرها على مشروع التنمية الشاملة والمستدامة.
أولاً: موقع العقل العربي بين النقد والاستهلاك،
في الثقافة العربية الإسلامية، يلاحظ وجود مفارقة صارخة بين:
1-العقل النقدي: وهو عقل يقوم على التحليل والتفكيك وإعادة البناء ، يشكك في المسلمات والتقاليد ويتعامل معها بعين نقدية ، يبحث عن الاسباب و النتائج، ويطمح إلى إنتاج المعرفة لا فقط استهلاكها ، يسعى إلى التحديث والتجديد عبر الحوار العقلاني ،   وعلى مساءلة المسلمات والموروثات، هذا العقل كان حاضراً في العصور الذهبية للحضارة الإسلامية (عصر الترجمة، وازدهار الفلسفة، والمنطق…).
2-العقل الاستهلاكي: وهو عقل يتلقى المعرفة والمفاهيم دون تمحيص أو تحليل ، يعتمد على استهلاك المنتجات الفكرية والثقافية الجاهزة غالبا من الغرب أو من التراث دون مراجعة نقدية ، يميل إلى التقليد والامتثال للسلطة أو المألوف دون تساؤل ، يفتقر إلى المبادرة في إنتاج الأفكار أو تطويرها .
ثانياً: المفارقة في المفاهيم والتخبط الثقافي،
تتمثل المفارقة في كوننا نعيش في ثقافة تمجّد العقل في خطابها (نصوص دينية، تراث فلسفي،…) لكنها في الممارسة تقمعه، وتعيد إنتاج التقليد والخضوع للموروث، مما يخلق ما يسميه البعض بـ”الانفصام الثقافي”.
وهذا التخبط في المفاهيم يظهر في:
-ازدواجية المرجعيات (الديني/العلمي، التراث/الحداثة).
-الانفصام بين الخطاب والممارسة.
-غياب الحسم في مشاريع الإصلاح (التعليمي، الديني، الثقافي…).
ثالثاً: أثر هذه المفارقة على التنمية المستدامة في المغرب،
فالتنمية المستدامة لا تقوم فقط على الموارد الطبيعية أو الخطط التقنية، بل تحتاج إلى عقل مجتمعي نقدي:
-عقل قادر على طرح الأسئلة بدل الاستسلام للوصفات الجاهزة.
-عقل متحرر من سلطة التقليد والتبعية.
-عقل منتج للمعرفة والقيم والاختيارات المجتمعية والحكامة الرشيدة.
في الحالة المغربية، يظهر الأثر في:
-تعثر مشاريع الإصلاح التعليمي بسبب غياب رؤية نقدية تتجاوز الاستيراد من الخارج دون تكييف أو تطويع .
-التردد في تحديث البنيات الثقافية والدينية بشكل يواكب تحولات المجتمع.
-ضعف البحث العلمي كمظهر من مظاهر هيمنة العقل الاستهلاكي على الفضاء الأكاديمي بسبب ضعف او عدم رصد الإمكانيات المادية اللازمة .
-غياب ثقافة المساءلة والمحاسبة، التي هي جوهر العقل النقدي.
مخرحات هذا المقال ، العقل العربي، والمغربي خصوصاً، يعيش بين وهم النقد وحقيقة ممارسة الاستهلاك، وهذه المفارقة تعيق بناء مشروع تنموي متكامل، فلا تنمية دون نقد، ولا حداثة دون تفكيك للقديم، ولا استدامة دون وعي ثقافي عميق بمواطن الخلل في بنية العقل بدعوى احترام التراث أو الثوابت الدينية والأخلاقية  الثقافية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى