اخبار منوعة

كوب27: اتفاقية “انفصامية” بين أمل نحو العدالة المناخية وإحباط بشأن خفض انبعاثات الغازات الدفيئة

برشيد: م.ع

أسدل الستار على قمة المناخ 27  فجر الأحد حيث تمت المصادقة على نص وُصف بالـ”تاريخي” يحمل في طياته التزامات تقضي بتقديم يد المساعدة إلى البلدان الفقيرة التي تعاني ويلات التغير المناخي. ولا يشمل هذا النص طموحات جديدة بشأن الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ويأسف جزء كبير من المجتمع الدولي لهذا الاتفاق.

اُختتم مؤتمر كوب 27 يوم الأحد 20 نوفمبر/ تشرين الثاني بعد مفاوضات عصيبة تجاوزت الجدول الزمني الأصلي، لينبثق عنه في النهاية نص يتعلق بمساعدة البلدان الفقيرة المتأثرة بتغير المناخ. لكن الاتفاق كان خال من أي طموحات جديدة حول الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.

وكان مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ قد افتتح يوم 6 تشرين الثاني/نوفمبر في شرم الشيخ بمصر. وقد استغرق يوما إضافيا لينتهي فجرا ويصبح بذلك واحدا من أطول قمم المناخ في التاريخ. وأكد رئيسها وزير الخارجية المصري سامح شكري “لم يكن الأمر سهلا” لكن “نفذنا مهمتنا في نهاية المطاف”.

للمزيد… الميثان.. العالم في مواجهة عدو آخر للمناخ أكثر فتكا من ثاني أكسيد الكربون 

وقد تم اعتماد إعلان نهائي بعد نقاشات مطوّلة اتجهت معظمها نحو حلول وسطية تدعو إلى خفض “سريع” في الانبعاثات لكن بدون أي طموحات جديدة مقارنة بمؤتمر غلاسكو عام 2021.

ويعتبر هذا الاتفاق “حلوا ومرا” وفق فرانسوا جيمين، الباحث في مجال الجغرافيا السياسية للمناخ وعضو مجموعة الخبراء الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ Giec.

وعلى الرغم من أن الاختصاصي يقر بوجود “تقدم سياسي هائل” فيما يخص إنشاء صندوق يهدف إلى تلقي التمويل الخاص بالخسائر والأضرار في بلدان الجنوب، غير أنه يأسف لعدم وجود التزام إضافي بشأن إدارة الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، طالما لا نهتم بالأسباب سنتكبد المزيد من الأضرار”.

ويصف فرانسوا جيمين، مؤلف كتاب “علم البيئة ليس إجماعا” بدار النشر (فايار)، الاتفاقية بـ”الانفصامية” قائلا: “نحن نتفق على دفع ثمن الضرر الناجم عن الاحتباس الحراري، ومن جهة أخرى، نرفض بذل المزيد من أجل محاولة الحد من هذه الأضرار”.

ويشاطره الرأي في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الذي أشار عقب المؤتمر إلى “خطوة مهمة نحو العدالة”، لكن تبقى الأهداف غير كافية. وتأسف قائلا “نحن بحاجة إلى خفض الانبعاثات بشكل كبير الآن، والمؤتمر لم يأت بجديد في هذا الشأن”.

كما أكد فرانسوا جيمين أنه لا شك نجم عن قمة المناخ إنشاء صندوق مالي خاص ما يعتبر “تقدما كبيرا لبلدان الجنوب”. لكن يذكرنا الباحث الفرنسي بأن هذا صندوق تعويض يسمح فقط بتطبيق مبدأ “الملوث يدفع الثمن” أو “من يكسر يدفع، لا أكثر ولا أقل.” مضيفا “هذا الأمر لا يؤثر على الأسباب -غازات الانبعاثات الدفيئة- وطالما لا نهتم بالأسباب وبمعالجتها، ستنتج المزيد من الأضرار وبالتالي المزيد من التكاليف”.

ويذكرنا الباحث في الجغرافيا السياسية المناخية، والأستاذ في جامعة لييج في بلجيكا بضرورة التخلص من الوقود الأحفوري. وهو قرار يأمله الجميع، ولكن خلال مؤتمر الأطراف بقي مجرد حبر على ورق. ويوضح فرانسوا جيمين أن: “الدول التي تعارض هذا القرار هي الدول المنتجة للنفط، مثل المملكة العربية السعودية وروسيا، لكن هناك أيضا العديد من الدول الناشئة التي تخشى تعرض أهدافها التنموية إلى الخطر”.

ويجب أيضا تركيز معظم الجهود على هذه المسألة تحديدا من أجل مكافحة الاحتباس الحراري في السنوات القادمة، وفق الباحث الفرنسي.

هذا ويتساءل فرانسوا جيمين: “هل ستختار البلدان النامية توجها تنمويا يضم عنصر الكربون (مثلما فعلت أوروبا والصين والولايات المتحدة)، أم أنها ستكون قادرة على اختيار مسار تنموي خال من الكربون ولا يعتمد على الوقود الأحفوري؟، داعيا في الوقت ذاته إلى مزيد من التعاون مع دول الجنوب في مجالات نقل التكنولوجيا والاستثمارات”.

لا توجد التزامات مفروضة على الأطراف الرئيسية التي تقف وراء انبعاثات الغازات الدفيئة

رغم ذلك، فقد أكد الإعلان الختامي لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين من جديد على “هدف اتفاق باريس لمواصلة الجهود من أجل الحد من ارتفاع درجة الحرارة لكي لا تتجاوز الـ 1.5 درجة مئوية”.

إن الهدف طموح ولكن هل نمنح لأنفسنا الوسائل اللازمة بغية تحقيقه؟ يأتي رد فرانسوا جيمين بالنفي قائلا: “هذا الهدف، اليوم، يبدو وهميا”، مضيفا “إذا تم تحديد هذا المبتغى بدون الالتزام بمختلف أهدافه، فلن يتحقق ذلك أبدا”.

لذلك، يعتبر الباحث الفرنسي أنه من الضروري اتخاذ قرارات قصيرة الأجل ورسم أهداف تتعلق بميزانية الكربون أسبوعيا أو شهريا، وليس على المدى المتوسط أو الطويل، كما هو الحال الآن، ويقول: “أولئك الذين يختارون هذه الأهداف يعرفون جيدا أنهم لن يبقوا في مناصبهم بل سيغيبون حتما عن الوجود قبل بلوغ هذا الأفق”.

ردود فعل دولية 

أما بالنسبة لأنالينا بربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، المنتمية للتيار البيئي فينتابها مزيج من “الأمل والإحباط” في نهاية هذا المؤتمر، “لقد حققنا تقدمًا كبيرًا في مجال العدالة المناخية -مع تحالف واسع بين الدول- وبعد سنوات من الركود. ولكن يفقد العالم وقتًا ثمينًا فيما يخص التوجه نحو عدم تجاوز 1.5 درجة مئوية”.

وجاء في بيان نشره رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك على تويتر “أرحب بالتقدم الذي تم إحرازه خلال مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، لكن ليس هناك وقت للتهاون”. وأضاف “الحفاظ على الالتزام بـ 1.5 درجة مئوية أمر حيوي لمستقبل كوكبنا”…”ويتعين علينا القيام بالمزيد”.

وأظهر نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانز نفس خيبة الأمل، معربا أن “العالم لن يشكرنا عندما لن يسمع غدا سوى الاعتذارات”. “ما أحرزناه ليس سوى خطوة قصيرة جدًا إلى الأمام نواجه بها سكان الكوكب. لا يوجد جهد إضافي كاف من الجهات الرئيسية المسؤولة عن الانبعاثات لتسريع مستويات الحد منها”.

وتعتبر الصين من البلدان الرئيسية المتسببة في انبعاث الغازات الدفيئة، ولحد الساعة لم يتم التأكد من إذا كانت ستساهم في صندوق التعويض. ويوضح الباحث فرانسوا جيمين أن “الصين موافقة على دفع الأموال لكن بدون أن تُجبر على ذلك، ولا بنفس المبالغ التي ستدفعها البلدان الصناعية”، مشيرًا مع ذلك إلى أنها أول بلد متسبب في انبعاث الغازات الدفيئة في العالم.

من جهتها، أعربت سويسرا في بيان الأحد عن أسفها لعدم فرض التزامات في هذا المؤتمر على الدول الرئيسية المتسببة في الانبعاثات وأنها ستعمل على ضمان مساهمة هذه الدول في توفير الجهود اللازمة للحد من أضرار ظاهرة تغير المناخ.

ويوضح البيان الصحفي الصادر عن المكتب الفيدرالي السويسري للبيئة أن الدول “اتفقت على جدول عمل إلى غاية العام 2026. لكن هذا لا يُلزم صراحة البلدان التي تسجل أعلى مستويات انبعاث غازات الاحتباس الحراري”، ويتابع البيان أن “سويسرا تأسف لهذا القرار وستعمل على ضمان مساهمة هذه الدول أيضا”.

وستقوم الدول الصناعية والملوثون الرئيسيون على غرار أوروبا والولايات المتحدة واليابان وروسيا، بتزويد صندوق التعويض بالأموال في الفترة الجارية. ولم يتم تحديد سقف المساهمات بعد، وفق الباحث الفرنسي في مجال الجغرافيا السياسية للمناخ.

ويوضح البيان: “يجب علينا تقييم مدى الضرر بشقّيه، الملموس وغير الملموس (المتعلق بالهجرة وفقدان الثقافات…)، وهو أمر ليس بالسهل”.

من جانبها، كانت الوزيرة الباكستانية المكلفة بالتغير المناخي شيري رحمان، وهي الرئيسة الحالية لمجموعة التفاوض G77 + الصين، قد اعتبرت أن هذا الصندوق “ليس بالعمل الخيري” ولكنه “دفعة أولى من استثمار طويل الأجل خاص بمستقبلنا المشترك واستثمار في العدالة المناخية”.

في نهاية مؤتمر كوب 27، وفي كلمة ألقاها وزير بيئة أنتيغوا وبربودا، مولوين جوزيف، نيابة عن تحالف الدول الجزرية الصغيرة (Aosis) وهي مجموعة مؤلفة من 39 دولة جزرية صغيرة تتفاوض ككتلة في اجتماعات الأمم المتحدة للمناخ، قال الآتي: “وعدت Aosis العالم بعدم مغادرة شرم الشيخ بدون النجاح في إنشاء صندوق لمواجهة الخسائر والأضرار. مهمة دامت 30 عاما لكنها اكتملت اليوم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى