صحة و جمال

الأمراض النفسية والعصبية تتزايد باستمرار ما السبب وما الحل ؟

عمرو العرباوي – مدير النشر
أصبح تزايد الأمراض النفسية والعصبية في السنوات الأخيرة ظاهرة بارزة ومقلقة على الصعيد الوطني ، بحيث لا يقتصر الأمر على فئات عمرية معينة، بل يمسّ الأطفال، الشباب، الكبار، والنساء والرجال على حد سواء، هذا التنامي السريع في معدلات القلق، الاكتئاب، الاضطرابات العصبية، وحتى السلوكيات الانتحارية، يفرض علينا وقفة تحليلية لفهم أسبابه واقتراح حلول واقعية وعملية.
أولًا: الأسباب العميقة لتزايد الأمراض النفسية والعصبية
1-الضغوط الاقتصادية والمعيشية ،أصبح غلاء المعيشة، البطالة، الديون، وانعدام الأمان المالي أحد أبرز مسببات القلق النفسي والاكتئاب، حين يفقد الإنسان الإحساس بالاستقرار، تنشط المشاعر السلبية ويضعف الجهاز العصبي.
مثال واقعي:
شباب مغاربة من حاملي الشهادات العليا يعانون من بطالة طويلة الأمد، ما يسبب لهم الإحباط، وقد يقود البعض إلى الانطواء أو الانتحار.
2-التفكك الأسري وضعف العلاقات الإنسانية، العنف الأسري، الطلاق، الإهمال، وغياب الحوار بين أفراد الأسرة، يؤدي إلى مشكلات نفسية لدى جميع أفراد العائلة، خاصة الأطفال.
مثال:
طفل ينشأ وسط نزاعات أسرية متكررة، غالبًا ما يعاني من اضطرابات مثل القلق، الوسواس، أو تأخر في النضج العاطفي.
3-العزلة الرقمية والانفصال عن الواقع،الإدمان على شبكات التواصل الاجتماعي، غياب العلاقات الواقعية، وانعدام الدعم الاجتماعي، كلها عوامل تُضعف الصحة النفسية وتُعمق الإحساس بالوحدة والعزلة.
4-الإدمان بشتى أنواعه، الإدمان على المخدرات، الكحول، الألعاب الإلكترونية، أو حتى المحتوى التافه، له أثر مباشر على وظائف الدماغ والجهاز العصبي.
مثال:
شخص أدمن على القنب الهندي لمدة طويلة، بدأ يعاني من نوبات الهلع والهلوسات.
5-التلوث والضغط البيئي، الأصوات المرتفعة، الاكتظاظ، التلوث البصري والهوائي في المدن الكبرى تؤثر سلبًا على الجهاز العصبي وتزيد من مستويات التوتر.
6-ضعف التثقيف النفسي ووصمة العار،في مجتمعنا يُنظر للمرض النفسي كعار أو ضعف في الإيمان، مما يعيق التشخيص المبكر ويؤخر التدخل العلاجي.
ثانيًا: حلول شاملة وعملية لمواجهة الأزمة
1-نشر الوعي والثقافة النفسية:
-إدماج التثقيف النفسي في المدارس والجامعات.
-إطلاق حملات إعلامية لتوعية الناس بالفارق بين التوتر العادي والمرض النفسي الحقيقي.
2-تعزيز خدمات الدعم النفسي في المؤسسات:
-تعيين أخصائيين نفسيين في المدارس ومراكز العمل.
-توفير خطوط هاتفية للاستشارة النفسية المجانية.
مثال:
في المغرب، خلال جائحة كورونا، أُطلقت خدمة “ألو يقظة نفسية” لتقديم الدعم النفسي المجاني للمواطنين لكن لم تستمر هذه الخدمة.
3-دعم الروابط الاجتماعية والأسرية:
-تنظيم أنشطة مجتمعية تُشجع على التواصل المباشر.
-تشجيع الأسر على الحوار المنتظم بين الأفراد.
4-تسهيل العلاج النفسي والعصبي:
-إدماج العلاج النفسي ضمن التغطية الصحية.
-توفير الأدوية النفسية بأسعار مدعمة.
-تكوين الأطباء العامين للكشف المبكر عن الأمراض النفسية.
5-محاربة الإدمان بكل أشكاله:
-فتح مراكز علاج مجانية أو مدعومة.
-حملات توعوية بمخاطر الإدمان في المدارس والإعلام.
6-إدماج التربية العاطفية في التعليم:
-تعليم الأطفال كيفية التعبير عن مشاعرهم.
-تنمية الذكاء العاطفي والاجتماعي داخل الفصول الدراسية.
7-التوازن بين العلاج الروحي والعلمي:
-تعزيز الجانب الروحي والديني كوسيلة دعم، دون أن يحل محل العلاج الطبي.
-برامج دينية معتدلة تشجع على الراحة النفسية والتأمل، بالتوازي مع الاستشارة الطبية.
مخرجات هذا المقال ، ينبغي التنبيه إلى أن تزايد الأمراض النفسية والعصبية ليس صدفة، بل نتيجة تراكمات معقدة تتطلب علاجًا جذريًا متعدد الأبعاد، لا يمكن اختزال الحل في نصيحة دينية أو حبة دواء، بل في إستراتيجية شمولية وطنية ترتكز على الوعي، الوقاية، الدعم، والعلاج المستمر، المجتمع الذي لا يداوي جروحه النفسية، يُراكم أزمات أخلاقية وسلوكية واجتماعية لن ينجو منها أحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى