اخبار منوعة

موقع الصحافة الشعبوية بين التشكيل والاستقطاب :

عمرو العرباوي – مدير الجريدة

قبل الشروع في تناول موضوع الصحافة الشعبوية بين التشكيل والاستقطاب لا بد من تحديد مفهوم الصحافة وأهميتها اولا ،ثم ثانيا التعريف بالصحافة الشعبوية ، ثالثا موقعها داخل المنظومة الاعلامية ،رابعا مدى اثارها السلبية أو الايجابية في المجتمع ؟
من المتعارف عليه لدى السائد في المنظومة الاعلامية الكونية ان الصحافة مهنة تقوم على جمع وتحليل الاخبار والاراء والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور ، وغالبا ما تكون هذه الاخبار متعلقة بمستجدات الاحداث على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والمجالية وغيرها من مناحي الحياة، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى تكمن اهمية الصحافة في حرية التعبير وابداء الرأي ، وتعتبر حرية التعبير إحدى أهم الاهداف المثلى للصحافة ، فالصحافة تمنح الناس الحق في إبداء الرأي في المجتمع ، وتعد صوتا لمن لا صوت له ، وتوفر الصحافة الناس معلومات وتقارير عما يدور حولهم وحول العالم والتي تشمل كل مناحي الحياة وغبرها من الاحداث المختلفة.
فالمجتمع الديمقراطي تحتل وسائل الاعلام فيه دورا مهما ، فالصحافة ليست مجرد مصدر للاخبار فحسب ، بل هي مرجع للمعلومات الحالية وأداة للنقد العام ، حيث تؤثر بشكل كبير بصنع الرأي العام ، وحلقة الوصل بين السلطات والناس من خلال المساعدة على إدراك حقوقهم وواجباتهم ،وتحسين مستوى الوعي لديهم بشكل إيجابي بعيدا عن تحريف المعطيات وتوجيهها ،كما يجب على الصحفي الحذر من الاتجاه الحالي في التقليل من أهمية الاخبار ، ونشر الشائعات ، أو فرض آراء المحرر على القراء .
أما بالنسبة للصحافة الشعبوية كوسيلة إعلامية تخاطب الغرائز عبر التحريض وإلالحاح ولا تقدم الخبر والمعلومة والنقاش ، المشكلة أنها تجد جمهورا عريضا بسبب حالة الفراغ في خطاب يستخدم لغة الجمهور ، ويقترب من احتياجاتها ويبسط لها المعلومات والأخبار .
فخطاب الصحافة الشعبوية يقسم العالم والافراد الى ثنائية أبيض وأسود وصديق وعدو .
ومن ليس عنده خلفية ثقافية وقراءة كافية خارج التخصص بشكلٍ كاف يصعب عليه هضم وفهم كثير مر المتغيرات والاحداث التي تموج بها الاخبار يوميا بدون إنقطاع ، فيقع الجمهور دون أن يدري في فخ متابعة الصحافة الشعبوية.
فعلى الرغم من ان الصحافة الشعبوية قد نتجت بالاساس من خلال التفاعل بين المتلقي وما تقدمه وسائل الاعلام من محتوى ، في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية تصاعدت بمقتضاها الخطابات الشعبوية لاغراض واهداف مختلفة ، فان تمة مخاطر عديدة يفرضها مثل هذا النوع من الاعلام على الصعيد المجتمعي ، لاسيما عندما يتعلق الامر بترويج الشائعات والتحول لمنصات لنشر خطابات الكراهية والتعصب والتطرف والارهاب والعنف الطائفي والفكري والسياسي .
هذه المخاطر وكيفية التعامل معها تشكل محددا مهما لمستقبل هذا النمط من الاعلام ، لاسيما وان كل تكهنات الخبراء تعتبر ان احتمال استمرار الشعبوية السياسية والدينية بات قائما بقوة وإلحاح خصوصا في الاقطار التي تتدبدب فيها مؤشرات الديمقراطية التشاركية واحترام حقوق الانسان والحكامة الجيدة والنجاعة في التدبير وتجويد خدمات المرافق العامة وضمان استقلالية مؤسسة القضاء من اجل نفاذ القانون حتى تتحقق العدالة للجميع وفق مبدأ المساواة بين الجنسين والمحاكمة العادلة للجميع دون تمييز او انتقائية .
ويمكن القول ان الصحافة الشعبوية متعددة ومتنوعة منها السياسية والدينية والترفيهية ، وهي بهذا التنوع والتموقع لم يعد في غالب الاحيان ممتهني هذا النمط الاعلامي يعتمد على محترفين لبناء ونشر محتوى المادة الاعلامية الحرفية .
الى اجل قريب كانت لغة الصحافة لغة بسيطة ومادة بصرية مبهرة ، أي كانت هناك نمادج ناجحة للصحافي الديني والعلمي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والرياضي ، من متخصصين قرروا أن يخاطبوا رجل الشارع العادي ويقدموا المعلومة النخبوية المعقدة بشكل مبسط وسهل وهادف دون تحايل او استقطاب مهما اختلفت وجهاته.
يمكن القول أنه مع تفشي ظاهرة الاستقطاب السياسي والديني للحقل الاعلامي وبالتالي تكييف الرسالة الاعلامية وفقا المزاج العام للشعب ، بمفرداته ، وأسلوب حديثه ، وأولوياته ، وليس شرطا أن يكون من غير المحترفين ، بل يمكن أن يصنع من قبل مؤسسات الدولة ذاتها ، بهدف تقديم محتوى اعلامي جاذب لفئة عريضة من الشعب على مختلف مستوياته .
وفي نفس السياق يسعى القائمون على وسائل الاعلام الى خلق مناخ شعبوي يخترق الرأي العام المجتمعي بصورة تدريجية ، حتى يكون هذا النوع من الاعلام هو المعبر بالفعل مستقبلا عن المزاج العام للمجتمع .
وعلى الرغم من بعد الصحافة الشعبوية عن المهنية في كثير من حالاتها والتي تعتبر السمة الاساسية في الاعلام المحلي ، فإن أبرز النماذج الصحفية الشعبوية قد تبلورت ببلادنا وامتدت لتشمل مختلف الاطياف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والمجالية ، حيث شكل في كل منها نموزج خاص بها من الصحافة الشعبوية.
من خلال هذه المعطيات يظهر جليا ان الصحافة الشعبوية ليست صحافة هادفة ولا وازنة ولا مؤثرة في اتخاذ قرارات ذات ابعاد واعدة وناجعة بل شغلها الشاغل التوظيف في اتجاه تسويق منتج فكري غير شرعي ومطبوع بالجهل والافتقار الى المصداقية والشفافية وخالي من القيم الانسانية و الاخلاق المجتمعية السليمة .
مخرجات هذا البحث ، اننا ننبه الى ان اعلامنا زاغ عن الطريق الصحيح ، وضاقت به الارض بما رحبت ، و اختلط الصالح بالطالح و كل طرف يغني على ليلاه ، لم يعد البعد الاخلاقي يحكم النوايا ، التماس العطاء افسد الاقلام ، والغيبة والنميمة والتشهير ونهش اعراض الناس أصبحت مادة دسمة تتغذى عليه اغلب الصحف والمواقع ، محتوى المادة الاعلامية يركن الى التوجس والغوغائية ،هذا حال صحافتنا للاسف ،كما يقال اذا سقط الاحترام ضاعت القيم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى