اخبار منوعة

نوستالجيا (22) هــل أتــاك حديــث حَـلُّـــــومــة ؟

سعيد قاسمي
حَـلّــومــة، نعل بلاستيكي بصيغة المؤنث، رغم أنه خاص بالذكور، واسم حـلــومـة، لم يكن متداولا بين أطفال الستينيات الذين ارتبطوا بهذا النعل، وكانوا مضطرين لانتعاله، ليس فقط في فصل الصيف، بل إن أغلبهم لم يكن يتوفر سوى على هذه الصَّنْدلة، فينتعلها في كل الفصول، رغم برودة الطقس، وتساقط حبات المطر على الأرجل.
وحتى أبقى وفيا للمرحلة التي ظهر فيها هذا النعل البلاستيكي، سوف لن أستعير اسم حـلــومـة حديث العهد، كي لاأضفي على هذا النعل توابل الموضة، وأمسح عنه لون الوفاء، وهو النعل الذي لازم أرجلنا نحن أطفال زمان طيلة مشوار الدراسة في السلك الابتدائي، وقبله عندما كنا نشكل مجموعة المحضرا بالمسيد/الجامع.
من طقوس التعلم في المسيد أن يجلس التلاميذ/ المحضرا فوق الحصير حفاة، وكان الفقيه/عامس يجبرنا على أن نضع النعل البلاستيكي داخل صندوق خشبي، فكنا نضطر لربط زوجي الصندلة الأيمن والأيسر بالإبزيم، ليسهل على كل واحد منا أخذ نعله وقت مغادرة المسيد، لكن في المدرسة الابتدائية، كان النعل البلاستيكي يكسو جل أرجل التلاميذ، ولم نكن نشعر بالبرد، بقدر ما نكون منهمكين في التفاعل مع الأستاذ في بناء التعلمات، ما يعني أن ظروف التعلم كانت قاسية على أجسادنا.
وبما أن النعل البلاستيكي شفاف، فقد كان يبدو لنا من بعيد أن الطفل الذي ينتعله حافي القدمين، باستثناء الأطفال الذين يرتدون الجوارب، حماية لأرجلهم من قساوة البرد، وهي الجوارب التي تتبلل كلما تساقطت الأمطار، فتتثاقل مشيتهم، وتزداد معاناتهم.
قد لا أكون مبالغا إذا أجزمت بأن جميع أطفال زمان كانوا ينتعلون هذه الصندلة، اعتبارا لثمنها الذي لا يتجاوز درهما وسبعين سنتيما، وانسجاما مع الوضع السوسيو اقتصادي للأسرة، فضلا عن الرغبة الملحة في تقليد زمرة الأنداد نَعْلَهم، وفوق كل هذا، فإن هذا النعل كان يساعدنا على السرعة في الجري، ونستغله في مباريات كرة القدم، كما كان يساعدنا على الرفع من عدد الضربات، خلال ممارسة لعبة (رجيــلة) وكانت لنا فيه مآرب أخرى..
واستحضارا لصورة هذا النعل البلاستيكي، فكانت به عدة فتحات، عبارة عن نوافذ تسمح بدخول الهواء، ما يجعل شكل النعل مرسوما على الأرجل بفعل أشعة الشمس، وكان يوجد بكل زوج من النعل إِبْزِيم يوضع على الكاحل، نستعمله مرة واحدة خلال أول عملية انتعال للصندلة، لنستغني عنه فيما بعد. أما أسفل النعل البلاستكيكي، فعبارة عن أشكال هندسية تتجمع داخلها قطع من الوحل، فتأخذ شكلها، وكنا نخشى أن يلتصق بها قليل من الفضلات، كي لا تفوح رائحة البراز داخل البيت، سيما وأن عملية التغوط في الهواء الطلق، وفي أي مكان، كانت عادية ذات زمان.
الحديث عن هذا النعل البلاستيكي، يستدعي استحضار نوع ثان أشد بياضا، وأكثر سمكا، وأغلى ثمنا..كنا نطلق عليه (صندلة الخارج) لم يكن في متناول جميع الأطفال، لأن سعره يصل إلى أربعة دراهم ونصف الدرهم، وكانت له علبة كارطونية خاصة، مكتوب على واجهتها بالخط العريض (فليكسو بلاستيك ـ في الماء والمدينة).
أتذكر ويتذكر معي كل الذين انتعلوا صندلة البلاستيك، تلك اللحظة التي تتعرض فيها للتقطيع، حيث ينفصل جزء من الجانب العلوي، عن أسفل النعل، فنضطر يومئذ لربطهما بواسطة سلك، نقوم بتسخينه لتسهيل عملية مروره بين ثقب نَزْرَعُها لهذا الغرض، وعليه، فقد ينتعل الطفل نعلا واحدا مزركشا بأكثر من سلك، مادام الوضع لا يسمح باقتناء صندلة جديدة بديلة.
ياأيها الذين كانوا للنعل البلاستيكي ينتعلون، هل مازلتم لبعض طرائفه تتذكرون؟ لعل فضله على طفولتنا كبير، أفلا تعقلون؟ ومع هذا النص الذي أيقظ فينا الحنين، هل أنتم متفاعلون؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى