اخبار منوعة
الانتخابات المقبلة بين رهان النزاهة ومتطلبات الإصلاح الحقيقي:

ذا عمرو العرباوي / مدير النشر
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والمحلية المرتقبة في السنة المقبلة 2026، تعود إلى الواجهة أسئلة جوهرية تشغل الرأي العام الوطني، من قبيل: هل ستكون هذه الانتخابات مختلفة؟ وهل يمكن أن تشكل نقطة تحول في مسار الانتقال الديمقراطي؟ وهل ما زال بالإمكان الحديث عن برامج انتخابية واقعية قابلة للتنفيذ في ظل أزمة ثقة عميقة بين المواطن والنخب السياسية؟
أسئلة مشروعة، لا تخفي قلقاً مجتمعياً متزايداً من تكرار نفس السيناريوهات التي أفقدت العملية السياسية جاذبيتها وشرعيتها، وفاقمت العزوف الشعبي عن المشاركة، وأضعفت الإيمان الوثوق بدور الانتخابات كأداة للإصلاح والتغيير الديمقراطي كمطلب مجتمعي .
فقدان الثقة: أزمة بنيوية،
لقد بات من المسلَّم به أن رهانات الإصلاح لا يمكن أن تتحقق في ظل نخب سياسية فاقدة للمصداقية، ومؤسسات حزبية تعاني من الجمود والتقوقع، فالتجارب المتكررة في السنوات الماضية أكدت أن كثيراً من الوعود الانتخابية كانت مجرد شعارات فارغة، سرعان ما تبخرت أمام الواقع، بل إن بعض النخب، بدل أن تكون في طليعة المدافعين عن المصلحة العامة، تحوّلت إلى أدوات لإعادة إنتاج الريع والفساد السياسي.
هذه الأزمة البنيوية في العلاقة بين المواطن والمؤسسات، لا ترتبط فقط بأداء الأحزاب، بل أيضاً بطبيعة المنافسة السياسية التي كثيراً ما تشوبها ممارسات غير نزيهة، من توظيف للمال، إلى التلاعب بالناخبين، إلى غياب تكافؤ الفرص بين الفاعلين السياسيين.
كيف نتصور انتخابات نزيهة؟
تحقيق انتخابات نزيهة وشفافة ليس حلماً مستحيلاً، بل هو مشروع سياسي ومجتمعي يتطلب إرادة حقيقية وإصلاحات ملموسة، على رأس هذه الإصلاحات، تأتي ضرورة استقلالية الهيئة المشرفة على الانتخابات، وضمان حياد الإدارة، وتوفير إطار قانوني صارم لمواجهة كل أشكال الفساد الانتخابي.
إضافة إلى ذلك، فإن تمكين المجتمع المدني من لعب دور المراقب المستقل، وضمان حرية الإعلام، ومكافحة استعمال المال السياسي، كلها شروط لا غنى عنها لضمان عملية انتخابية نزيهة تعكس فعلاً إرادة الشعب.
البرامج الانتخابية: من الشعبوية إلى الواقعية
من المشاكل المزمنة التي تعاني منها الحياة السياسية، هي الطابع الشعبوي والعام للبرامج الانتخابية، حيث غالباً ما تُقدَّم وعود كبرى دون تفاصيل، دون أفق زمني، ودون تحديد للموارد أو الإمكانيات.
الانتخابات المقبلة تشكّل فرصة حقيقية لإعادة الاعتبار للبرنامج الانتخابي كمشروع مجتمعي، بشرط أن يكون قائماً على: -تشخيص دقيق للحاجيات المحلية والجهوية.
-أهداف واقعية قابلة للتنفيذ ضمن الصلاحيات المتاحة.
-مؤشرات واضحة للتقييم والمحاسبة.
-دمج البعد التنموي بالبعد الاجتماعي والبيئي.
الناخب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لا يحتاج إلى خطابات حماسية، بل إلى خطط واقعية مدروسة تعكس فهماً حقيقياً لمشاكله اليومية، وتقترح حلولاً قابلة للتنفيذ.
تجديد النخب: مفتاح التغيير،
أي انتخابات لا تفرز نخباً جديدة، نزيهة، ومؤهلة، تظل مهددة بإعادة إنتاج نفس الأخطاء، لذلك، فإن تجديد النخب ليس مجرد شعار، بل ضرورة ديمقراطية، وهذا لا يعني فقط إدماج الشباب والنساء، بل أيضاً القطع مع منطق الزبونية وفرض معايير الكفاءة والنزاهة داخل الأحزاب السياسية.
في هذا السياق، تُطرح مسؤولية الأحزاب في انتقاء مرشحين يملكون رصيداً ميدانياً، واستقلالية فكرية، والتزاماً صادقاً بخدمة المواطنين، لا مجرد الولاء التنظيمي.
نحو مصالحة المواطن مع السياسة
إن نزاهة الانتخابات وواقعية البرامج وتجديد النخب، تظل كلها رهانات غير كافية ما لم تُصاحبها مصالحة شاملة بين المواطن والسياسة، وهذا يمر عبر:
-تعزيز التربية على المواطنة.
– تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية.
– رفع منسوب الشفافية والحق في المعلومة.
-إرساء ثقافة الرقابة والمحاسبة.
الانتخابات ليست هدفاً في حد ذاتها، بل وسيلة لبناء تعاقد اجتماعي جديد، يربط بين الحقوق والواجبات، ويعيد الثقة في المؤسسات، ويوجه بوصلة التنمية في اتجاه العدالة والمساواة.
مخرحات هذا المقال ، ينبغي أن لا تكون الانتخابات المقبلة مجرد موعد انتخابي عابر، بل إلى محطة تأسيسية لتصحيح المسار، كل شيء رهين بمدى التزام الفاعلين السياسيين والمؤسسات الرسمية والمجتمع المدني بإحداث قطيعة فعلية مع الماضي، ووضع أسس جديدة للعمل الديمقراطي الحقيقي.
فهل نحن مستعدون فعلاً لهذا التحول؟ أم أن التغيير سيظل شعاراً مؤجلاً إلى إشعار آخر؟