قتل التاريخ وبناء هوية جديدة على انقاض اصحاب الارض

عمرو العرباوي – مدير النشر
يمكن تفسير هذه الحقيقة من خلال فهم عدة عوامل تاريخية، اجتماعية، وسياسية تتداخل في عملية تدمير التاريخ وبناء هوية جديدة على أنقاض أصحاب الأرض.
فهذه الضاهرة اللئيمة تتطلب الكثير من التمحيص والتأمل والتفكير لتفسيرها إليك تفسيراً مفصلاً كالتالي :
- الاستعمار والاستيطان :
العديد من الدول أو القوى الاستعمارية، عبر التاريخ، اعتمدت سياسة إلغاء أو تهميش الهويات الأصلية للسكان المحليين بهدف السيطرة، هذا يشمل سرقة الأراضي، تدمير الثقافة المحلية، فرض اللغة، ونشر أنماط حياة وثقافات المستعمرين.
– مثال على الاستعمار الأوروبي: في أمريكا الشمالية وأستراليا، تم إلغاء ثقافات الشعوب الأصلية من خلال عمليات ممنهجة من قتل السكان، فرض التعليم القسري، وإزالة اللغات المحلية، كان الهدف الأساسي هو القضاء على أي شكل من أشكال المقاومة الثقافية والهوية الذاتية للشعوب الأصلية.
- إعادة كتابة التاريخ
تستخدم الأنظمة الاستعمارية أو القوى المسيطرة إعادة كتابة التاريخ وتحريفه وطمس الهوية الوطنية بشتى معالمها كأداة لتثبيت شرعيتها، من خلال حذف أو تعديل السجلات التاريخية، يتم تصوير الغزاة على أنهم “محررون” أو “مصلحون”، بينما يتم تصوير السكان الأصليين على أنهم بدائيون أو غير متحضرين.
– مثال على إعادة كتابة التاريخ: في المغرب خلال فترة الحماية الفرنسية، سعت السلطات الفرنسية إلى التأكيد على الفصل بين ما أسمته “المغرب النافع” و”المغرب غير النافع”، مما قلل من أهمية تاريخ وثقافة قبائل الريف والسكان الأصليين لصالح النموذج الفرنسي.
- إزالة الهويات الثقافية والدينية
القوى الغازية غالبًا ما تفرض دياناتها أو أيديولوجياتها على السكان الأصليين، في محاولة لدمجهم ثقافيًا، الهدف هو تفكيك الأواصر الثقافية والدينية التي قد تكون مصادر للمقاومة، وفي كثير من الأحيان يتم ذلك بالقوة من خلال قوانين صارمة تمنع الشعائر والطقوس الدينية المحلية.
– مثال على الإلغاء الثقافي: في الأندلس، بعد سقوط غرناطة، تم تحويل المساجد إلى كنائس وأجبر المسلمون على التحول إلى المسيحية، مع حظر لغتهم وثقافتهم.
- التلاعب بالهوية من خلال التعليم والإعلام
التعليم ووسائل الإعلام أدوات قوية في تشكيل الهويات الجديدة، الأنظمة التي تسيطر على هذه الأدوات تعمل على فرض روايات تاريخية جديدة تشجع الولاء للنظام القائم وتحطم أي شعور بالهوية الأصلية، الأجيال الجديدة تكبر وتتبنى هذه الهوية الجديدة دون إدراك أن تاريخها الحقيقي قد تم محوه وتحريفه وصياغته بالشكل المطلوب لديهم.
– مثال على التلاعب التعليمي: في فلسطين، المحاولات الإسرائيلية لإعادة صياغة المناهج الدراسية للفلسطينيين تهدف إلى إلغاء الرواية التاريخية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وتقليل شعور الأجيال الجديدة بالانتماء إلى أرضهم وثقافتهم.
- الإبادة الثقافية الممنهجة
الإبادة الثقافية لا تتعلق فقط بالقضاء على الأفراد، بل تشمل أيضًا تدمير المؤسسات الاجتماعية، الثقافية، والاقتصادية للسكان الأصليين، هذا يتضمن تدمير التراث الثقافي والآثار، والتدخل في النظم الاجتماعية والعائلية التي كانت تربط السكان الأصليين معًا.
– مثال على الإبادة الثقافية: في كندا، تم إنشاء “مدارس داخلية” للأطفال من الشعوب الأصلية بهدف “تطهير” ثقافاتهم الأصلية وتعليمهم الثقافة الأوروبية، مع منعهم من ممارسة تقاليدهم أو التحدث بلغتهم.
- النتائج الاجتماعية والسياسية
نتيجة لتدمير التاريخ وبناء هوية جديدة على أنقاض السكان الأصليين، يحدث تفكك للنسيج الاجتماعي للسكان الأصليين، مما يؤدي إلى ضعف الهياكل الاجتماعية والسياسية التي كانت تمثل قوتهم، هذا بدوره يسهل على القوى الغازية إحكام سيطرتها وتعزيز هويتها الجديدة.
– نتيجة هذا التفكك: السكان الأصليون غالباً ما يجدون أنفسهم في وضعيات هامشية في أوطانهم، مع ارتفاع معدلات الفقر، والبطالة، وانعدام العدالة الاجتماعية.
- المقاومة والبقاء
على الرغم من الجهود المبذولة لتدمير الهويات الأصلية، فإن العديد من الثقافات والشعوب قاومت، واستطاعت الحفاظ على جزء من تراثها، سواء عبر المقاومة المسلحة، أو من خلال الحفاظ على التراث الشفوي، أو حتى الهجرة.
مخرجات هذا البحث ، يمكن القول أن تدمير التاريخ وبناء هوية جديدة على أنقاض أصحاب الأرض يمثل أحد أخطر أشكال الهيمنة الثقافية والسياسية، يحدث ذلك من خلال الاستعمار، إعادة كتابة التاريخ، إلغاء الهويات الثقافية، والتعليم الموجه، ويؤدي في النهاية إلى تفكيك المجتمعات الأصلية وتحويلها إلى مجرد عنصر تابع في النظام الجديد ، هذا النظام الذي ينبغي استشعار آثاره السلبية على القومية الوطنية على مختلف مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والنفسية ، عن طريق إعادة بناء الفرد والمجتمع من جديد في اتجاه بلوغ مشروع التنمية المستدامة والشاملة والنجاعة الحكيمة وفق رؤية واضحة المعالم لمستقبل الأجيال القادمة، كما لا ننسى اعادة النظر في مناهجنا التعليمية الهادفة والتي تسهم في بناء مواطن المعرفة والابتكار مواطن صالح .